سورة البقرة - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


قوله تعالى: {ختم الله على قلوبهم} الختم: الطبع، والقلب: قطعة من دم جامدة سوداء، وهو مستكن في الفؤاد، وهو بيت النفس، ومسكن العقل، وسمي قلبا لتقلبه. وقيل: لأنه خالص البدن، وإنما خصَّه بالختم لأنه محل الفهم.
قوله تعالى: {وعلى سمعهم} يريد: على أسماعهم، فذكره بلفظ التوحيد، ومعناه: الجمع، فاكتفى بالواحد عن الجميع، ونظيره قوله تعالى: {ثم يخرجكم طفلا} [الحج: 5].
وأنشدوا من ذلك:
كلوا في نصف بطنكم تعيشوا *** فانَّ زمانكم زمن خميص
أي: في أنصاف بطونكم. ذكر هذا القول أبو عبيدة، والزجاج. وفيه وجه آخر، وهو أن العرب تذهب بالسمع مذهب المصدر، والمصدر يوحد، تقول: يعجبني حديثكم، ويعجبني ضربكم، فأما البصر والقلب فهما اسمان لا يجريان مجرى المصادر في مثل هذا المعنى. ذكره الزجاج، وابن القاسم. وقد قرأ عمرو بن العاص، وابن أبي عبلة: {وعلى أسماعهم}
قوله تعالى: {وعلى أبصارهم غشاوة} الغشاوة: الغطاء.
قال الفراء: أما قريش وعامة العرب، فيكسرون الغين من{غشاوة} وعكل يضمون الغين، وبعض العرب يفتحها، وأظنها لربيعة. وروى المفضل عن عاصم {غشاوةً} بالنصب على تقدير: جعل على أبصارهم غشاوة. فأما العذاب، فهو الألم المستمر، وماء عذب: إذا استمر في الحلق سائغاً.


قوله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله} اختلفوا فيمن نزلت على قولين.
أحدهما أنها في المنافقين، ذكره السدي عن ابن مسعود، وابن عباس، وبه قال أبو العالية، وقتادة، وابن زيد.
والثاني: أنها في منافقي أهل الكتاب. رواه أبو صالح عن ابن عباس. وقال ابن سيرين: كانوا يتخوفون من هذه الآية. وقال قتادة: هذه الآية نعت المنافق، يعرف بلسانه، وينكر بقلبه، ويصدق بلسانه ويخالف بعمله، ويصبح على حالٍ ويمسي على غيرها، ويتكفأ تكفأ السفينة، كلما هبت ريح هب معها.


قوله تعالى: {يخادعون الله}
قال ابن عباس: كان عبد الله بن أُبيّ، ومعتب بن قشير، والجد بن القيس؛ إذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنا، ونشهد أن صاحبكم صادق، فاذا خلوا لم يكونوا كذلك، فنزلت هذه الآية.
فأما التفسير، فالخديعة: الحيلة والمكر، وسميت خديعة، لأنها تكون في خفاء. والمخدع: بيت داخل البيت تختفي فيه المرأة، ورجل خادع: إذا فعل الخديعة، سواء حصل مقصوده أو لم يحصل، فاذا حصل مقصوده، قيل: قد خدع. وانخدع الرجل: استجاب للخادع، سواء تعمد الاستجابة أو لم يقصدها، والعرب تسمي الدهر خداعاً، لتلونه بما يخفيه من خير وشر.
وفي معنى خداعهم الله خمسة أقوال.
أحدها انهم كانوا يخادعون المؤمنين، فكأنهم خادعوا الله. روي عن ابن عباس؛ واختاره ابن قتيبة.
والثاني: انهم كانوا يخادعون نبي الله، فأقام الله نبيه مقامه، كما قال: {إِن الذين يبايعونك إِنما يبايعون الله} [الفتح: 10]. قاله الزجاج.
والثالث أن الخادع عند العرب: الفاسد. وأنشدوا:
أبيض اللون لذيذ طعمه *** طيب الريق إِذا الريق خدع
أي: فسد. رواه محمد بن القاسم عن ثعلب عن ابن الاعرابي. قال ابن القاسم: فتأويل: يخادعون الله: يفسدون ما يظهرون من الايمان بما يضمرون من الكفر.
والرابع: أنهم كانوا يفعلون في دين الله مالو فعلوه بينهم كان خداعا.
والخامس: أنهم كانوا يخفون كفرهم، ويظهرون الإيمان به.
قوله تعالى: {وما يخدعون إلا أنفسهم} قرأَ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: {وما يخادعون} وقرأَ الكوفيون، وابن عامر: {يخدعون}، والمعنى: أن وبال ذلك الخداع عائد عليهم.
ومتى يعود وبال خداعهم عليهم؟ فيه قولان:
أحدهما: في دار الدنيا، وذلك بطريقين. أحدهما: بالاستدراج والإِمهال الذي يزيدهم عذاباً.
والثاني: باطلاع النبي والمؤمنين على أحوالهم التي أسروها.
والقول الثاني: ان عود الخداع عليهم في الآخرة، وفي ذلك قولان:
أحدهما: أنه يعود عليهم عند ضرب الحجاب بينهم وبين المؤمنين، وذلك قوله: {قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً فضرب بينهم بسور له باب} [الحديد: 13].
والثاني: أنه يعود عليهم عند اطلاع أهل الجنة عليهم، فاذا رأَوهم طمعوا في نيل راحة من قبلهم، فقالوا: {أَفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله} [الأعراف: 50]. فيجيبونهم. {إِن الله حرَّمهما على الكافرين} [الأعراف: 51].
قوله تعالى: {وما يشعرون} أَي: وما يعلمون. وفي الذي لم يشعروا به قولان:
أحدهما: أَنه إِطلاع الله نبيه على كذبهم، قاله ابن عباس.
والثاني: أَنه إِسرارهم بأنفسهم بكفرهم، قاله ابن زيد.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8